الخميس، 2 مارس 2017

الخيط الرفيع 

 

روت الأساطير القديمة أن شاباً اسمه “نارسيس“؛ يسكن غابة بالقرب من بحيرة, وكان لهذه البحيرة حوريات جميلات  يحمن حولها.. لكن نارسيس كان قد انشغل عنهن بالنظر في انعكاس صورة وجهه على الماء والتأمل في جماله الذي أُعجِب به ـ حتى ظنّ أن هذا الوجه هو لـ امرأة فاتنة فـ أحبّها كثيراً- … أحب الصورة حتى بلغ من حبه وهيامه أن حاول يوماً أن يمسّها بيده فتعكّرت صفحة الماء وتلاشت صورته.. مما جعله يموت هماً وحزناً عليها -وقيل في رواية أخرى للأسطورة أنه سقط في النهر- لتنبت مكانه زهرة النرجس..
عندما مات نارسيس جاءت حوريات الغابات إلي ضفاف تلك البحيرة العذبة المياه فوجدتها قد تحولت إلي مستودع لدموع مالحة..
– فسألت الحوريات هذه البحيرة: لِمَِ تبكين؟
– ردت البحيرة: أبكي على نارسيس..
– عندئذ قالت الحوريات للبحيرة: لا غرابة, فنحن أيضاً كنا نتملى من جمال هذا الشاب في الغابة.. ونحسدك لأنك كنت الوحيدة التي تتمتع بجماله عن قرب..
– فسألتهن البحيرة: هل كان نارسيس جميلاً؟!
– فردت الحوريات في دهشة:من المفترض أنكِ تعرفين جمال نرارسيس أكثر منا، فقد كان ينظر إليكِ ليتمتع هو بجماله يومياً..
– فسكتت البحيرة لفترة ثم قالت: إني أبكي على نرارسيس، غير أني لم أنتبه قط إلى أنه كان جميلاً.. أنا أبكي على نارسيس لأنه في كل مرة كان ينحني فوق ضفتي -كما تقولون أنتم أنه كان يتمتع هو بجماله- كنت أنا أرى في عينيه طيف جمالي..

هذه هي الخطيئة التي قتلت نارسيس, إعجابه بذاته حتى مات ولم تلحظ البحيرة يوماً أنه كان جميلاً.. حسدتها الحوريات لأنها الأقرب وظنن أنها الأكثر حظاً بالتمتع بجماله…
فهل أنت معجب بذاتك كما نارسيس, منشغل بها… حتى أصبح المقربون منك لا يلمحون جمال ذاتك هذه.. أم أنك تقدرها وتكرمها فقط
إن بين الإعجاب بالذات وتقديرها خيط رفيع*.. إذا ما تجاوزناه.. التف حول رقابنا فشنقنا
إذا ما تجاوزناه سقطنا في النهر وغرقنا!
تقديرك لذاتك هو نابع من تقييمك لنفسك على حسن التصرف, وإحساسك بالثقة في نفسك ..في قدرتك على تخطي الصعاب والنجاح .. وانك قادر على مواجهة الهزيمة والانتصار عليها ..في تقديرك لنجاحاتك لكن دون أن يمنعك ذلك من الاعتراف بأخطائك وقصورك ونقاط ضعفك التي ستحاول إيجاد الحلول لها, وتطوير ذاتك.. تقدير الذات يدفعك للعمل لا للحديث عن نفسك فيحترمك الناس ويقدرونك لما تقدمه لهذه الأرض التي استخلفت عليها –تكليفا لا تشريفا-
أما إعجابك بنفسك فهو تضخيم لإحساسك بقيمة ذاتك.. إنه يجعلك تقف في مكانك دون أن تتقدم .. لأنك راض عن موقعك قاعد إليه بارتياح.. إنه يمنعك من الاعتراف أمام الآخرين بأنك أخطأت في موقف أو عمل ما.. يمنعك من الإقرار لنفسك بالضعف الذي فيها لأنك تنسب إليها الكمال..ترى نفسك مفخمة واكبر من حجمها.. بل واكبر من غيرها..تكون معتدا بنفسك مستصغرا الآخرين لأنك ترى انك الأفضل والأكمل لذا يقول المصطفى عن الكبر انه بطر الحق وغمط الناس .. لأنك تنكر الحقائق وتجحدها ولأنك تستصغر الناس وتزدريهم.. إعجابك بنفسك يجعلك كما يقول المثل الايطالي: ديكا يظن الشمس تشرق كل صباح حتى تستمتع بصياحه..
انه مرض لم يبتكر الطب له علاجا… مرض يصيب بصيرتك فترى بها الواقع مشوها فلا نظرتك لنفسك صحيحة ولا نظرتك للآخرين.. حتى تجد تأكيد القرآن بالنهي عن الاعجاب والغرور بالنفس  في أكثر من موضع.. ومثاله حين وصى لقمان ابنه (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ في الأَرْضِ مَرَحَاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
أراه و الحسد أخوان من أم واحدة وإن اختلف أبواهما .. فالحسد ناتج من الإحساس بالدونية مثلما الغرور ناتج من الإحساس بالتعالي الذاتي.. وإن كان العجب من عدل الحسد انه يبدأ بصاحبه فيقتله.. فكذلك العجب من أمر الغرور, أنه يجعل صاحبه موضوعا في نظر الناس, ينظرون له نظرة دونية ملؤها القرف والاشمئزاز! في حين أن من وضع نفسه رفعه الله وأعلى شأنه بين الناس فأحبوه وأثنوا عليه… اممممممم ربما هي فتنة ^_^ وابتلاء .. العجيب في أمر الإعجاب بالذات انك إن رأيت انك متواضع وانك قد وضعت نفسك فأنت هنا معجب أيضا بها.. وقد وقعت في الفخ والتف حولك الخيط…
فكيف تحاول أن لا تجتاز ذاك الخيط!
– اسخر من نفسك وضعها.. لا لدرجة الإسفاف ولكن للحد الذي لا يجعلك تعجب بنفسك, كن كما الفاروق يوم قال لابنه “أعجبتني نفسي فأحببت أن أضعها“..
– اشعر بالامتنان للناس واشكرهم دوما…أعجبتني فكرة اقترحتها مرة أوبرا وينفري وهي أن يكون لك دفتر يوميات تدون فيه كل يوم 5 أشياء تشعر بالامتنان عليها وأن هذا سيغير منظورك لحياتك ويجعلك أكثر رضا عنها.. اقترح هنا أن يكون لك دفتر يوميات تدون فيه كل يوم شكر وامتنان لشخص ما .. حتى إذا ما شعرت يوما ان نفسك أعجبتك عدت إلى ذاك الدفتر وعددت أفضال الناس عليك ^_^ لا تكن كمن قال : (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) فيخسف الله بك الأرض
– تذكر دوما أن الغرور من الشيطان وأنه أول ما عُصي الله به يوم استكبر إبليس عن السجود لآدم فطرد من الجنة ومن رحمة الله ..فطلب من الله أن يمهله واقسم (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) احذر من مكائده وتلبيسه فمعرفتك عدوك ستفيدك في حربك الغرور…
– اقتدي بمحمد صلى الله عليه وسلم وتمسك بسنته فإن لك فيه أسوة حسنة, كان صلى الله عليه وسلم يجلس إلى أصحابه فلا يميزه الداخل إلى المسجد لتواضعه صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق وأكرمهم..
كانت هذه بعض اقتراحاتي .. فأرجو أن تفيدونـ ـي/ـا بما لديكم حتى نرتقِ معاً إلى العُلى..
حكمة أخيرة:
إذا عصف الغرور برأس غرّ … توهم أن منكبه جناح

ليست هناك تعليقات: