الخميس، 2 مارس 2017

غصة قدر لم يجمعنا وشتاء بارد يعرى عاطفتى 

هو حين تتحدث عنه : رجل يجيد فرقعة أصابع الوقت حين يكتب إلي , فيتسرب من بين شقوق النوافذ رائحة تبغه الذي يصلني رغم المسافات الطويلة التي تفصلني عن وجهه .
هي حين يتحدث عنها : امرأة نارية تلهبني فحيح كلماتها وكأنها في حالة مخاض مع كل رسالة تصلني منها .
في هذا الركن البارد بمكتبي أقدح شرارة عاطفتي بـ سيجارة أولى وأنا أتصفح بريد العمل الذي أحاول أنجزه قبل حضور زميلي بالمكتب الذي يتتبع هفواتي بكل مرة يسقط مني بريد منسي
حتى حضر وجهك ليسد ثقوب ذاكرتي ولم أتكئ على عتبة النسيان منذ ذلك الوقت , فقدت عنوانك السابق بالوقت الذي فلت قلبك من قبضتي حين ركنتِ ما تبقى منا لرصيف الذكريات ومضيتِ ,
ولا زلت أضطجع على رسائلك التي ما توقفت عن الكتابة إليك حتى هذه الساعة ,
كنت كل صباح أدس رسائلي في دولاب الزمن حتى تحضرك الأيام وتلجِ يدك بجيبه , دق جرس العاشرة أنا الآن أتوجه خارج المكتب لأدخنك وأستقبل مديري الذي سأتحدث لك عنه متى عدت لمكتبي.
....عدت بعد نصف ساعة ولازلت الرسالة كما هي توقعت زميلي أوقع بي و بعثها لك كما فعل بالمرة السابقة حين ضغط زر وطارت سريعا قبل أن أكمل سرد تفاصيل يومي ,
هذا الوقت يمر سريع ما أن أبدأ سطوري إليك رغم الروتين القاتل الذي يحاصرني منذ سنتين فعزمت على خنقه بالكتابة إليك
يحضر مديري بالعاشرة من كل يوم , يوقع ما يتطلب منه على كومة الأوراق التي أعدها له مسبقا ويذهب لبيته بعد ما يضع على عاتقي أدارة المكان فأكون في مواجهة مريرة مع زميلي
ما أن تمر ساعة حتى تقرع أقدامه مغادرا وحينها أغيب عن الكتابة إليك وأنهمك بالعمل ولا حيلة لي سوى أنجاز ما تبقى من المعاملات المركونة على مكتبه .
هذا الرجل أربك مشاعري رغم يقيني أن كل حرف خطه بهذه الرسالة لامرأة لا تشبهني لكن وددت خوض تفاصيل الحكاية كما حضرت دون أن يكون لي يد في توقف هديلها .
فتحت صندوق بريدي مجددا ودونت ردي الأول على رسالته الثانية لأني تجاهلت أول هطول لمشاعره معلله أن هذا البريد أخطأ العنوان ولم أكن أدرك أن القدر أتى به مجددا
وكأنه يصر على عاطفتي أن تتجاوب معه رغم جهلي بكل تفاصيل حكايته و لكن معطف الحنين الذي يطوق عنقي به حين كتب : (حضر وجهك ليسد ثقوب ذاكرتي ولم أتكئ على عتبة النسيان منذ ذلك الوقت )
يشعل فضولي في معرفة من يكون هذا الرجل وما قصته وأي حب يتحدث عنه ؟

حين يلف السكون حدود الضجيج أنزوي بغرفتي ودائما بهذا التوقيت أختلي بنفسي من كل ليلة وأمارس طقوسي المعتادة في تبديد الضجر
وحزمة الملل التي تتسرب إلي مع نوافذ الصمت القاتل الذي يحيط بعالمي منذ وعيت على هذه الدنيا , كنت أخلق متعة جديدة كلما ضيق الروتين عنق ليلي حتى هطلت بجوابك المنسي
والذي لعنت أصابعك حين وصلت للسطر الرابع وإذا بي أمام حروف مبتورة لا أعلم وجهتها ولمن بعثت ؟ حتى حضر هذا المساء حاملا رسالتك الصباحية والتي لم اختلس النظر على بريدي
حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل ليقيني انه لا احد يستحق الحضور باكر حتى لو كان رجل أحب الحياة بتفاصيلي .
هذا الصباح يزهو بك , حين عانقني الضوء الذي يشق كبد السماء معلنا رحيل أخر خيوط الليل التي رحت بعد ما قرعنا كأس الفقد بجدران قلبك ولم يفتح بابه حتى غيبني السكر ليلتها , كنت أنا وكأس النبيذ نحتسي رشفات الوحدة ونلعن الظلام . وكأن وجهك تشعشع بالفضاء ليبدأ يومي وأنا أنفث تراكم الأدخنة التي نامت بروحي في لحظة أتلو البسملة على وجه الذكرى التي تسربت لي من ثقوب ذاكرتي الهرمة حين مرني أسمك بالشارع الذي أعبره كل يوم لعملي يتردد بغنج من فم صبية تلوح لأختها بعد أن وقفت بسيارتي وهي تعبر بيد أختها الشارع وتلوح كف عينيها بابتسامة شكر عابرة .
أحدثت رسائله بداخلي شيء لم أكن استشعره قبل هذه المرة , لدرجة كنت على موعد معه كل صباح بجواب منسي يودعه ذاكرة البريد الذي أعود له ليلا لأتصفح ما وجدت من تفاصيل يومه .
أحيانا الصدف تخلق لك حياة أخرى بعيدا عن حياتك الرتيبة وفصولها وكأنها نقلة قدر تسيرك لطريق لم يكن باختيارك ولا حتى بتطلعاتك للمستقبل , كيف لحزمة رسائل تغير مسار حياتك
وتحضرك في حياة رجل لا تعرف أقل شيء عنه أسمه الصريح .!, لم يكن صعبا تقبلي لمشاعره وتفاصيل يومه وعاطفته المتورمة بـ الحنين لحبيبة سرقها الزمن من بين يداه , لكن الشيء
المحير لما وضعني بمكان لا حق لي فيه وقلدني من عواطفه التي تضخمت بامرأة أخرى لا تشبهني بأقل تفاصيلها الصغيرة .
أخطأت العنوان , لم يكن لي أن ألعب بعاطفتك وأستقبل برقياتك وأرد على ما جاء فيها كما لو كانت موجهه لي , أنا امرأة أخرى لا تشبه فتاتك , والعذر على ردي السابق لم أفكر وقتها بل أحببت فكرة رسائلك المنسية
ولم أكن حينها سوى دولاب زمن يحتفظ بتفاصيل من مر به , وأنت مرورك أدمى القلب بحيث لم أستطع أكمال ما بدأت به معك , ستجد الكثير ممن ترعى عواطفك وتهدهد حنينك حتى تمر هذه المرحلة بسلام .
يهب القدر الرجل المنهك من علاقة حب سابقة امرأة تجيد فن احتوائه وهدهدت وجعه برفق لكنها تفشل لو حاولت أن تخلق من ضلعه حبا خالصا لها .
لذا ما كان لي أن احضر بحياة رجل أنُهكت عواطفه , وأنا سعير أنثى لا تقبل برماد رجل لا يشتعل .

هل برقياتي تثقل عاتق الوقت حين تمرها عينيك ؟ أنا رجل لم أتعود على طرق الأبواب , حتى وأنا أحتضن العراء باكيا , كنت متأمل أن أجد لديك وطن يلبسني ردائي في عين الناس , ويقيني إراقة وجهي على الرصيف .
الرجل نصفي الأخر , نصف وجهي , نصف قلبي , نصف حواسي نصف نصفي
أتى الصباح محمل بأغنية فيروزية , وأمنية قلب يطير كما فراشات الصباح الملونة , كنت أنا على غير عادة فتحت بريدي بمزاج عال فوجدت رسالة لوم , من ذلك الرجل الذي أشغلني لأيام مصيري معه .!
تجاهلت الرد ولأول مرة , وتوجهت لعملي الذي أبذل فيه كل ما في وسعي حتى كونت لمؤسستي اسما ومكانه تستحقها بين المؤسسات التطوعية

أقلب في صفحات الأيام أي يوم سينجب لي رؤيتك , أرهقتني المكاتيب وأنا أشم رائحتك بزوايا روحي وأتمتم بوجع ليت الأيام تشرق بقدومك , كيف لهذا العمر يمضي ونحن نطوي تواريخ ذكرياتنا بعيد ميلاد بائس ,
كل عام يمضي نتجرع الرسائل ونقرع الكؤوس ونشعل شمعة باردة في ليالي الصقيع الخاوية ,وأنتِ هناك في البعيد أو كما تقولي دائما في مهب الريح ..
يا سيدي ماذا تريد ؟ هات الحكاية من أخرها , ورتب خطواتك التي تسير عليها , فما يحدث الآن لا يحتمل رسائل بتفاصيل امرأة لا تشبهني
وبكل مرة تبعثها على نفس العنوان , كف عن ألاعبيك وأخبرني لما هجرتك فتاتك ؟ وما لذي يحدث معك الآن ؟ فتعلقك بالوهم يزعجني جدا وأنا ما اعتدت على رجل يعبد امرأة ولت للغياب .

حسنا يا عزيزتي , لا ترفعي صوتك بوجهي , الأوهام لعبت بعقلي وكل مرة أكتب وأنا مخمورا بالحنين الذي لم أفيق من سكرته , إلا هذه الليلة التي زجر ني وجهك , و لم يسبق أن سمعته في جوابك السابق .
أريدك أن تستقبليني بكل أوهامي كما تفعل أمي دوما , حين تتلقف وجعي وتلقيه بالطرقات .

متعب هذا الحب الذي يلون عاطفتك ويرهقها بهذا الشكل البائس أمامي , أنا لا أجيد أن أكون أما لرجل محموم بأخرى ,لكن لا يمنع أن أكون صديقة بعض الوقت وليس كله ,
وهذه الليلة أرخي لك كتفي ليضطجع وجعك عليه حتى يغادرك البرد فصل الحنين .
هذا الشتاء البارد يعري عاطفتي لدرجة لا أقوى على مناطحة عواصف الغياب التي تنهش جسدي الهزيل , فأتدثر بمعطفه حتى يأتي به الحنين .
هل من أحد قريب ؟ رجل أجهل حتى هذه اللحظة ماذا يريد , لكنه يشغل هذه المساحة الباردة كل ليلة حين اندس في وجه وسادتي وأقرأ رسائله بوجع تليد
هل تذكرين رسائلك المنسية , حين تعاهدنا منذ دس الغياب سمه في قلوبنا أن نحرق كل ما بحوزتنا من ذكريات , أنا وقتها خدعتك.! , لم أستطع التخلص من رسائلك ,
لأن رسالتك الأخيرة كسرت عيني ومنذ لحظتها ولم أذرف دمعة واحدة على رحيلك حين كتبتِ :
( هذه الرسائل لم تعد تجدي معي , لذا أولجت بقلبك جرحا وامتطيت صهوة الغياب لجهة لا تعرفك ولم تمرها ذكرياتك , فهذا الوجع الذي نتباكى منه آن له أن يخيط فمه ويندمل جرحه فلم أحتمل الاحتفال بعيد حبك وأنت مركون برسائل صوتيه لا تصلك يدي ولا يلمسك لساني .! حق لي أن أنهي كل شيء وأنا أدرك أني لم أغادرك منذ رحيلي , كنت معك بذاكرتك التي تستحيل على النسيان , لكني منذ أخر لقاء كرهت الانتظار , بت لا أستطيع الصبر عنك وأنت تلج بأقصى بقاع الأرض وتريد من قلبي أن يتآكل حبا وشوقا ولا تعود ..! تغيرت كثيرا صدقني لست طفلتك المدللة , التي تتلون بالون الطيف السبعة لأجلك , تغيرت بشكل أجزم انك لن تعرفني لكن الرائحة ملعونة ستجد طريقي من خلالها , فعطرك الوحيد الذي ما غاب رغم غيابي المفتعل طيلة تلك الشهور , لدرجة لعنت تفاصيلي التي ألمحك من خلالها , حتى شعري الذي تمرغ فيه انفك وحواسك تخلصت منه , أصبحت حليقة الرأس ورغم ذلك لم يطب الفؤاد بعد ..! )

لا تواريخ بعد اليوم :
ما الذي حدث لك , منذ أخر رسالة بعثتها , لم يصلني جوابك , أدرك أنك فتاة أخرى لكني طرقت بابك تائها ورست حروفي على مينائك ولا أتصور بعد هذين الشهرين أن تقفلي الباب بوجهي
أحتاج فقط أن تدعي , لا أريد أن تصدقي كما كانت تفعل معي ( رغد ) , فقط أدعي أنك تشعري بألمي واستقبلي رسائلي كل صباح كما لو كانت فعلا من حبيبك المنتظر .

قررت حينها أن أدمج وجعي بوجعه وكأني أصرخ بوجه حبيبي الذي سرقه الزمن مني فكتبت وأنا في حالة من الضياع :
الوقت سرقك من حضني حين هممت لسنوات الضياع موليا , وأنت تدرك لحظتها أني لن أتبعك حتى لو مددت يدك وألتفت لعيني , فطريقك لا يتوافق مع أحلامي الصغيرة التي بنيتها ذات ليلة
وأنا أحتسي ريق الحب في سعة اللقاء ,لم أتصور أن يبقى ريقك علقما في فمي كل تلك الشهور التي عصرت قلبي فيها , حتى هذه الرسالة التي حاولت تجاهل الرد
كما فعلت مع كومة الرسائل السابقة لكن الجرح تندى , ووقفت على حافة الضياع , بين عذابات الحنين وشح اللقاء , فلا أنا أخذت كفايتي منك ولا أنت وضعتني
بالمكان الذي يناسب حجمي بقلبك ,فهذا السعير الخاطف بقبلة محمومة يحرق محصول عاطفتي بالوقت الذي أتطلع لحياة مكتملة تجمعنا معا .
لا طاقة لي على تحمل كل هذه الظروف القاسية التي تعيق قدم الحب الذي يجمعنا , فألبسني ثوبا فضفاضا وأطلقني للريح .

لازلت أحمل تفاصيل وجهه وبعضاً من رسائله وصورة يتيمة لمكان جلستنا المفضل وحكاية لم تنتهي بعد .لست نادمة وهذا البيت الخاوي من بعده كتبه ، أشياءئه ، فردة حذاءه وكل الممرات التي تشبعت برائحته تغيضني بصمت وكأنها تطلق لسانها ساخرة : يا لك من ساذجة ..
كنت أردد بصوت عالي في هذا البيت المزدحم بذكرياتنا : لست نادمة ..
حتى أعتدلت في جلستي وأنا أنظر في الحائط الذي طليناه سويا وقفت أبعثر الأوراق المعلقة على عنقه اهتز قلبي وكأن بداخلي جرس قرع في مدينة باكملها وتعالت الأصوات في جمجمتي وأنا أضغط بيدي على عصب رأسي وكأني أحاول أن لا تنفجر أصوات الذكريات بدماغي يا لله يا الله كف يد الذكريات عن حرث ذاكرتي ..!
وكأن الله يأجل إجابة الدعوات ليوم أخر لأني لم أستحق بعد أن يجيب الله دعائي ..!
بكيت حتى ذبل وجهي وأنا أبعثر الأوراق في الهواء وأمزق ما سقط بيدي وادعس على كل ذكرى جمعتني به وكأني أدعس بقدمي على صفحة وجه

ليست هناك تعليقات: